نصل إلى إحدى نقاط التهريب النشطة بالقرب من الحدود مع غزة، حيث أحد أنفاق نقل المواد الغذائية، ليستقبلنا الشاب المسؤول عن النفق مع ١٠ شباب آخرين يعملون فى ترتيب البضائع ونقلها إلى النفق الذى لا يزيد قطره على ١٥٠ سم، مسؤول النفق، الذى طلب عدم الكشف عن اسمه، أكد أنه لا يرى أن ما يقوم به نشاط إجرامى بأى حال، بل على العكس، فهو من وجهة نظره وسيلة لـ«فك الحصار» عن أهل غزة، ودعم نضال الشعب الفلسطينى، وقال إن معظم الأنفاق مخصصة لنقل البضائع والمواد الغذائية، مضيفا: «ليس معنى استخدام بعض الأنفاق فى تهريب الأسلحة أن جميع الأنفاق تستخدم فى هذا النشاط».
سألناه عن السلاح فى رفح ومسارات تهريبه، فأكد أن معظم الأسلحة الموجودة فى المنطقة الآن قادمة من الناحية الغربية- يقصد غربى مصر- بعد دخولها عن طريق الحدود المصرية الليبية، وقال إنه رغم انتشار السلاح فى سيناء فى الوقت الحالى، فإن حركة تهريبه إلى غزة ضعيفة للغاية مقارنة بما قبل ٢٠١٠، وبرر ذلك بتوافر الأسلحة فى القطاع، وعدم الحاجة إلى تهريب أسلحة جديدة، فى الوقت الذى يعانى فيه أهالى غزة من نقص فى المواد الغذائية والوقود، وهو ما يحصر أعمال الأنفاق فى نقل هذه المواد فقط فى الوقت الحالى.
وللتأكيد على كلامه، دعانا للنزول إلى النفق، بعد أن رفض طلبا سابقا بالنزول إليه، وعند مدخل النفق كشف لنا عن المواد الغذائية التى تتم تعبئتها فى أكياس بلاستيكية مع إحكام إغلاقها، قبل أن يتم إنزالها إلى فتحة النفق التى تبدأ فى الانحدار بدرجة ميل ٤٥ درجة تقريبا للأسفل، وبمجرد وضع الحمولة فى باطن النفق تنزلق للأسفل على قطعة جلد ممتدة بطول ١٠٠ متر تقريبا يطلق عليها اسم «الشياطة»، ويقف فى نهاية الشياطة عدد من أبناء قطاع غزة يتولون صف البضائع المغلفة على «شياطة» أخرى خاصة بهم، وموصلة بحبل يبلغ طوله ٥٠٠ متر، وموصول بموتور كهربائى، تتم إدارته لسحب الشياطة بما عليه من بضائع، وتنظم المسألة بالكامل عن طريق أجهزة اتصال مثبتة على جانبى النفق.
نتوجه إلى إحدى القرى الحدودية التابعة لمدينة الشيخ زويد، حيث الحاج إبراهيم المنيعى، الذى اعتقل لفترة بسبب تعاونه مع حركة حماس فى نقل الأسلحة عبر الأنفاق أثناء فترة الحصار، ليؤكد لنا على توقف حركة تهريب الأسلحة إلى قطاع غزة، واقتصارها فى الوقت الحالى على الأسلحة القادمة من ليبيا. والمنيعى أكد أن نسبة كبيرة من الأسلحة التى تدخل سيناء فى الوقت الحالى يحتفظ بها بعض أبناء القبائل للاستخدام الشخصى، على حد قوله، قبل أن يضيف: «السلاح بالنسبة للبدوى أمر ضرورى لا يمكن الاستغناء عنه»، وتذهب، بحسب المنيعى، بعض الأسلحة الحديثة أو غير الموجودة فى قطاع غزة إليه عبر نقاط التهريب التقليدية بالمنطقة الحدودية، لكنه شدد على أن تلك النسبة ضئيلة للغاية لتشبع قطاع غزة بالأسلحة والذخائر فى الوقت الحالى.
ويتفق مع الرأى نفسه الناشط السيناوى سعيد عتيق، الذى تحدث عن توزيع السلاح بسيناء، مؤكدا أن النسبة الأكبر منه تتركز فى المنطقة الحدودية، خاصة مركزى رفح والشيخ زويد، كونهما الأقل فى نسبة التواجد الأمنى، والأوسع من ناحية الظهير الصحراوى الذى يمتد حتى منطقة الوسط.
«عتيق» أكد أن مصطلح «جماعات مسلحة» غير دقيق فى حالة سيناء، لأن جميع أبنائها يحملون السلاح الذى هو جزء من عاداتهم وتقاليدهم، على حد قوله، وأوضح أن فكرة وجود السلاح فى سيناء ليست بالأمر المقلق، حتى مع من وصفهم بـ«الجماعات التكفيرية»، موضحا أن هناك اختلافا بين الجماعات التكفيرية والجهادية، فالأولى منتشرة فى منطقة الشريط الحدودى، كونها الأكثر فقرا، والأقل حظا فى التعليم والتوعية، وأصحاب هذا الاتجاه لا يستخدمون السلاح، ولا يتبنون العنف، وقال: «تسليحهم طبيعى بحكم وجودهم وسط مجتمع مسلح بطبيعة الحال، لكن الخوف من لجوئهم إلى استخدام العنف فى أى وقت».
وألقى «عتيق» بمسؤولية توسع قاعدة الجماعات التكفيرية برفح والشيخ زويد على عاتق الأجهزة الأمنية التى تستفيد من اضطراب الوضع الأمنى فى المنطقة الحدودية لإثارة المخاوف من فقدان السيطرة على سيناء، واستخدام ذلك كذريعة من قبل إسرائيل لإعادة احتلال سيناء، بجانب الجماعات السلفية المعتدلة التى لا تبدى اعتراضا على أفعال الجماعات التكفيرية، ما يحمل اتفاقا ضمنيا مع خطابها المتطرف.
وقال إن فكرة لجوء إسرائيل إلى إعادة احتلال سيناء أمر مستبعد تماما، مضيفا: «ما من جيش نظامى يقبل على مخاطرة مثل هذه، فمبجرد دخول الجيش الإسرائيلى لسيناء سيصبح صيدا سهلا لأبناء المنطقة، كما حدث فى أعقاب نكسة ١٩٦٧، خاصة أنهم مسلحون وخبراء فى دروب الصحراء ومسالكها».
وأكد «عتيق» أن المجلس العسكرى مازال يتبع نفس نهج نظام «مبارك» فى استخدام سيناء كفزاعة لكسب التعاطف والدعم أمام الانتقادات التى يتم توجيهها إليه بسبب أدائه السياسى، وحذر من إمكانية خروج الأمر عن السيطرة، وتحول هذه الجماعات التكفيرية إلى جماعات جهادية تنفذ عمليات مسلحة بسيناء.
وأشار الناشط السيناوى، مسعد أبو فجر، إلى أن وجود السلاح فى سيناء مازال فى الوضع الآمن حتى الآن، لكنه حذر من خروج الأمر عن السيطرة، وأكد أن أصابع النظام السابق برزت فى الأحداث الأخيرة، واصفا أعمال العنف التى تشهدها بعض المناطق القريبة من الحدود بالطبيعية، لأنها جاءت نتيجة صراعات بين المهربين وأجهزة الأمن.
وقال «أبوفجر» إن أعمال التهريب تحكمها مافيا كبيرة يتعاون زعماؤها مع بعض القيادات الأمنية، وأكد أن الصدامات التى تحدث من آن لآخر فى صورة إطلاق الرصاص على نقاط تأمين حدودية، أو اختطاف بعض الجنود لحين الانتهاء من بعض صفقات التهريب ما هو إلا أمر طبيعى فى هذه الأحوال.
نتوجه فى اتجاه منطقة الوسط، التى تشهد استقرارا أمنيا غير مسبوق، بعد أن كانت مثار قلق دائم بسيناء، إلى الدرجة التى تحول معها اسمها إلى «المنطقة السوداء» فى التصنيف الأمنى، وهناك نقابل «م» أحد من يطلق عليهم وصف «المطلوبين أمنيا»، ليحدثنا عن سبب هدوء منطقة الوسط، وابتعادها عن دائرة الضوء رغم اشتعال الأحداث فى العريش والمنطقة الحدودية، فيؤكد لنا أن منطقة الوسط بعيدة عن الصراع الدائر بالمنطقة الحدودية، حيث إن ملف وسط سيناء ارتبط بقضايا أمن الدولة التى أعقبت تفجيرات طابا وشرم الشيخ، بعد أن لجأ عدد من المتهمين إلى منطقة الوسط، هربا من الاتهامات التى وصفها بالـ«ظالمة» التى تم توجيهها إليهم لإغلاق ملف التفجيرات بشكل يرضى رؤساء المسؤولين عن تأمين سيناء. وأوضح «م» أن حالة الهدوء التى تشهدها المنطقة لا تعنى أنها بعيدة عن الانفلات الأمنى الذى يعانى منه معظم مناطق سيناء، لكنها تعنى أنها بعيدة عن الصراع الذى تديره السلطة الحاكمة وتستغل فيه توتر الأحداث فى سيناء كذريعة لتبرير استخدام العنف، وأكد أن منطقة الوسط تشهد أعمال تهريب أسلحة مثل جميع مناطق سيناء فى الوقت الحالى، حيث تمر حركة نقل السلاح بمنطقة الوسط فى جميع الأحوال، ونفى وجود جماعات دينية مسلحة بمنطقة الوسط، مؤكدا أن الأمر يقتصر على بعض بدو المنطقة الذين يحملون السلاح بشكل تقليدى، وبعض العاملين فى تهريب وتجارة السلاح.
وتحدث «م» عن مسارات تهريب السلاح من وإلى سيناء، مؤكدا أن النسبة الأكبر من الأسلحة المهربة تأتى الآن من الجانب الغربى، بعد دخولها عن طريق الحدود المصرية الليبية، وتتمثل هذه الأسلحة فى بعض الأسلحة الآلية الثقيلة، والمضادة للطائرات مدافع «جرينوف» ومضادات طائرات «٣.٧ بوصة، و٤.٥ بوصة»، بالإضافة إلى الذخائر المختلفة، والقاذفات الأرضية «آر بى جى»، أما الأسلحة التى تأتى من السودان، فيؤكد «م» أنه يتم تهريبها من خلال الدروب الصحراوية التقليدية للتهريب فى منطقة الوسط، بالإضافة إلى الأسلحة التى أصبحت تدخل من قطاع غزة إلى مصر، عن طريق رفح، بعد استقرار الأوضاع فى غزة، وتشبع القطاع بها، وهى فى مجملها بنادق آلية أمريكية من طراز M١٦ وبعض البنادق الآلية صغيرة الحجم سريعة الطلقات.
ولفت «م» إلى عملية تبادل أسلحة تقع بالقرب من المنطقة الحدودية بشمال سيناء بين عصابات التهريب، حيث يتم استبدال بعض الأسلحة القادمة من ليبيا بأسلحة أخرى أو بذخائر غير موجودة بالمنطقة الغربية، وأكد أن رصاصات البنادق الآلية الأمريكية هى أكثر ما يتم نقله من سيناء إلى المنطقة الغربية، فيما تعد المدافع المضادة للطائرات أبرز ما يدخل سيناء قادما من ليبيا.